يقدم الدكتور فريدريك معتوق في كتابه "مرتكزات السيطرة الغربية" إجابة عن عدة تساؤلات منها لماذا يسيطر الغرب على العالم منذ ما يقارب خمسة قرون؟ ولماذا فشلت تجارب السيطرة الأخرى التي عاشتها أقاليم جيو ـ سياسية أخرى؟.
ينفي الدكتور معتوق وجود اختلاف في طبيعة البنى الذهنية بين الغرب وبقية شعوب الأرض الأخرى. لكنه يؤكد على اختلاف في تحريك وتفعيل عناصر هذه البنية، الموجودة أصلاً عند الجميع.
يرى المؤلف وفق ما كتب سمير شمس بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أن أولى مرتكزات السيطرة الغربية تتمثل في "الهيمنة" كطاقة حيوية أساسية. فمفهوم الغرب للهيمنة تأسس عبر التحالف بين قوتين عظيمتين، البريطانية والفرنسية، اعتباراً من القرن الثامن عشر.
فالكتلة الغربية التي تعيش ظاهرياً تناقضات كبيرة، بنت مشروعها الاستعماري في مساحة تقع ما بعد تناقضاتها، بغية السيطرة على العالم بأسره. وهذه الهيمنة المنسقة، دفعت بالشعوب الواقعة ضمن دائرة أطماعها إلى إدراكها على أساس أنَّها هيمنة حضارية. وأسياد العالم الحديث الذين ينتمون إلى عصر ما بعد الرأسمالية، يطرحون أنفسهم على أساس إنهم متفوقون وحملة رسالة حضارية.
فالآخر الغربي يستقدم مع جيوشه تجارته وأساتذته وخبراءه وسلعه كافة، ويسعى مباشرة إلى اعتماد نماذجه السلوكية ومعاييره القيمية غير آبه بثقافة المجتمع المختلف الذي يقيم بينه، مكتفياً بإشعار محيطه بأنه أفضل وأرقى ، والغرب يعتبر أنه على من يتعامل معهم أن يذوبوا في نماذجه وأن يبقوا بعيداً عنها في ما يشبه التخلف.
يرى المؤلف - وفق "الشرق الأوسط" - أن الكلمة المفتاح لمحرّك الهيمنة عند الغربي اليوم هي العولمة. فهي البديل المعاصر لمشروعه التاريخي الاستراتيجي. وتحمل العولمة في جوهرها جميع معاني فكرة الهيمنة التي حاكها الغرب بعد أن تخلّى إرادياً عن فكرة الاستعمار من منتصف القرن العشرين.
هكذا يغدو اجتياح الجنوب اجتياحاً ممنهجاً ومدروساً أفقياً. فالسلع التي ينتجها الغرب بغية تصديرها إلى هذا القسم من العالم سلع تتفق مع الأذواق المحلية.
ومن الركائز التي يعتبرها المؤلف أساسية في السيطرة الغربية "التنظيم الاجتماعي" الذي يقوم على سيادة الفرد الذي باتت الحرية تنشأ عنده كاملة بمجرد أن يولد مواطناً، وسيادة الفرد تقولب مفهوم التنظيم الاجتماعي وتمنحه الصلابة الداخلية، مما يؤدي إلى سيادة المجتمع على نفسه. فانتشرت في الغرب مفاهيم جديدة مثل: القيمة الاجتماعية للعمل، ومفهوم الدولة الراعية. وارتبطت فكرة الربح بفكرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي على حدّ سواء.
ترك محرِّك التنظيم الغربي بصماته عميقاً في البلدان المستعمَرَة بعدما تم استثماره في مشاريع تحولت إلى بنى تحتية ملزمة لهذه البلدان، كما تحولت إلى تقاليد إدارية ثابتة. فنظم التعليم والإدارة والتفكير في العالم الثالث غربية الطابع تعود لقرنين ماضيين، وهي المساهم الأول في سيطرة الغرب على الجنوب كما يرى الكاتب.